• امروز : جمعه, ۱۰ فروردین , ۱۴۰۳
  • برابر با : Friday - 29 March - 2024
1

التشیّع فی العراق وقم

  • کد خبر : 676
  • 11 بهمن 1396 - 19:20
التشیّع فی العراق وقم

التشیع فی اللّغه هو المحبّه والموالاه والاتّباع لمنهج معیّن ، وکانت تطلق هذه الکلمه على شیعه علی وشیعه عثمان ، ثم اختصت اللفظه بشیعه الامام علی علیه السلام

حسب موقع رهیافته ( قاعده البیانات الشامله للمسلمین الجدد و المبلّغین و المستبصرین) التشیع فی اللّغه هو المحبّه والموالاه والاتّباع لمنهج معیّن ، وکانت تطلق هذه الکلمه على شیعه علی وشیعه عثمان ، ثم اختصت اللفظه بشیعه الامام علی علیه السلام ومؤیدیه والقائلین بامامته واتخذ العامّه فی الأزمنه اللاحقه مصطلحی ( الرفض ) و ( التشیع ) للتمییز بینهما ، فأطلقوا الأوّل على الذین یقدّمون علیا على أبی بکر وعمر وعثمان مع اعتقادهم عدم استحقاق الشیخین وعثمان للخلافه ، والثانی على الذین یقدّمون علیا على عثمان مع عدم مساسهم بالشیخین.

ففی « مسائل الامامه » : أن أهل الحدیث فی الکوفه ـ مثل : وکیع بن الجراح ، وفضل بن دکین ـ یزعمون أنّ أفضل الناس بعد النبی أبو بکر ثم عمر ثمّ علی ثم عثمان ، یقدّمون علیا على عثمان ، وهذا تشیّع أصحاب الحدیث من الکوفیّین ویثبتون إمامه علی علیه السلام بخلاف أصحاب الحدیث من أهل البصره الذین یقولون أن أفضل الأمه بعد النبی أبو بکر ثمّ عمر ثم عثمان ثم علی ، ثم یساوون بین بقیه أهل الشورى (۱).
وقال الذهبی بعد أن اتّهم محمد بن زیاد ـ من مشایخ البخاری ـ بالنصب : « بلى ، غالب الشامیین فیهم توقّف عن أمیر المؤمنین علی علیه السلام .. کما إنّ الکوفیّین إلاّ من شاء ربک فیهم انحراف عن عثمان وموالاه لعلی وسلفهم شیعته وأنصاره … ثم خلقٌ من شیعه العراق یحبّون علیّا وعثمان ، لکن یفضّلون علیّا على عثمان ولا یحبّون من حارب علیا مع الاستغفار لهم ، فهذا تشیّع خفیف (۲).
وهو یشیر إلى أنّ التشیع ـ فی الاعم الاغلب ـ فی بغداد والکوفه لم یکن ولائیّا عصمتیا کما هو المصطلح الیوم ، بل کان فیهم من یحب ، أبا بکر وعمر کذلک ، وبذلک یکون تشیّع أهل الحدیث فی الکوفه أعمّ من الولائی والفضائلی ، ولأجل هذا لم نَرَ أسماء بعض هؤلاء الذین حسبوا على الشیعه فی کتب رجال الشیعه.
وعلیه فإنّ تشیّع أهل العراق کان أعمّ من تشیع أهل قمّ الذی کان ولائیّا خالصا ، بمعنى أنّهم کانوا یقولون بعصمه علیّ والأئمّه الأحد عشر من أولاده ومن أولاد رسول اللّه‏ ، ولا یرتضون أن یخالطهم من یخالفهم فی العقیده.
نعم ، قد اشتهر القمّیّون بتصلّبهم فی العقیده وتشدّدهم على کلّ متهّم بالانحراف عنها ، وقد توجّهوا فی العصور الأُولى إلى التالیف فی احوال الرواه ، واضعین أصول علم الرجال والدرایه انطلاقا من تلک الشده حتى لا تختلط مرو یّات المنحرفین والمتّهمین بمرو یّات الموثوقین من الشیعه ، المعتدلین فی تشیعهم وعقائدهم.
فکانوا هم من أوائل الجهابذه الذین رسموا أصول علم الرجال الشیعی ، ولو رجعت إلى ترجمه محمد بن أحمد بن داود ( ت ۳۶۸ ه‍ ) فی « الفهرست » للشیخ الطوسى لرأیته قد ألفّ کتابا فی الممدوحین والمذمومین (۳). وهو من القمیین.
وهناک کتاب آخر للقمیین فی علم الرجال وهو للبرقی یسمى : « برجال البرقی » ، وهذا الکتاب سواء کان لأحمد بن محمد البرقی ( ت ۲۷۴ ه‍ ) ، أو لأبیه محمد بن خالد البرقی ، أو لابنه عبداللّه‏ بن أحمد ، فکلّهم قد عاشوا قبل الکشّی ( المتوفى فی النصف الأول من القرن الرابع الهجری ) ، والنجاشی ( ت ۴۵۰ ه‍ ) ، والشیخ الطوسی ( ت ۴۶۰ ه‍ ) ، وابن الغضائری ( ت ۴۱۱ ه‍ ) ، ومحمد بن الحسن أبی عبداللّه‏ المحاربی (۴) ، وغیرهم ممّن نص أصحاب الفهارس على أنّهم ألّفوا فی أحوال الرجال فی القرن الثالث أو الرابع الهجری.
وبعد هذا لنا الآن أن نتساءل : لو کان هذا هو وضع بغداد وقم عقائدیا ، فکیف یمکن أن ننسب الغلوّ والتفو یض إلى البغدادیین؟! مع ما عرفنا عنهم من أنّهم اقرب إلى العامّه مکانا وفکرا ، وذلک لمخالطتهم لأفکار المعتزله والمرجئه وغیرها من الأفکار السائده آنذاک فی بغداد.
وفی المقابل کیف یمکننا تصوّر التقصیر فی أهل قمّ؟! مع وقوفنا على کثره المرویّ من قِبَلِهِمْ فی مقامات الأئمّه ، واهتمامهم المفرط بالأخذ عن الثقات. والتعریفُ بکتاب « بصائر الدرجات » لمحمّد بن الحسن بن فروخ الصفار القمّی ( ت ۲۹۰ ه‍ ) من أصحاب الإمام العسکری ، کافٍ لإعطاء صوره عن المنزله المعرفیّه لأهل قمّ ، إذ قد یتصور أن فکره الغلوّ والتفویض هی أقرب إلى القمیین من البغدادیین ، وذلک لوضوح الارتفاع فی مرو یاتهم عن الأئمّه ، فی حین أنّ الأمر ینعکس فیما یقال عن البغدادیین ـ أو قل عن غیر القمیین ـ أنّهم غلاه!!
فقد ذکر الصفار فی کتابه أحادیث کثیره فیما أخذ اللّه‏ من مواثیقَ لأئمّه آل محمد ، وأن رسول اللّه‏ والأئمّه یعرفون ما رأوا فی المیثاق ، وأنّ اللّه‏ خلق طینه شیعه آل محمد من طینتهم (۵)
وقد روى کذلک ۱۶ حدیثا فی أنّهم یعرفون رجال شیعتهم وسبب ما یصیبهم ، و ۱۲ حدیثا فی أنّهم یحیون الموتى ویبرؤون الأکمه والأبرص بإذنه تعالى ، و ۱۹ حدیثا فی أنّ الأئمّه یزورون الموتى وأنّ الموتى یزورونهم ، و ۱۴ حدیثا فی أنّهم یعرفون متى یموتون ویعلمون ذلک قبل أن یأتیهم الموت.
وفی علم الإمام بمنطق الطیر والحیوانات ذکر الصفار ۴۳ حدیثا(۶) فی ثلاثه أبواب ، کان لأحمد بن محمد البرقی ۱۶ حدیثا منها.
وأنّ الأعمال تعرض على رسول اللّه‏ ۶ والأئمه : احیاءً کانوا أم امواتا (۷) ، إلى غیرها من الاخبار الداله على المکانات العالیه للأئمّه.
إنّ روایه هکذا أحادیث معرفیّه فی العتره المعصومه عن رواه من أهل قمّ یؤکد بأ نّهم کانوا مستعدّین لقبول مقامات الأئمّه ونقلها وروایتها ، وأنّ ما رواه أحمد بن محمد البرقی عن مشایخه لیؤکّد على تقبّل القمیین لمثل هکذا أخبار ، وأنّها لیست بغلوّ فی اعتقادهم ، وهو الآخر یوضّح بأنّ إخراج أحمد بن محمد بن عیسى الأشعری لأحمدَ بن محمد بن خالد البرقی لم یکن لما طرحه من عقائد فی کتابه بل لأمور أخرى ، کالقضایا السیاسیه المطروحه آنذاک ، ولظروف التقیه القاهره التی کانت تحیط به ـ والتی سنوضح بعض معالمها لاحقا ـ ولکونه هو الوحید فی مشایخ قمّ الذی کان له ارتباط مع السلطان (۸) وان ابن عیسى بارتباطه بالحاکم کان یرید تقدیم خدمه شرعیه جلیله لمدینه قم ، وقد حققها بالفعل.
والمطالع بمقارنه بسیطه بین کتاب « بصائر الدرجات » للصفار « والمحاسن » للبرقی یقف فی کتاب البصائر على روایات أشدّ ممّا فی المحاسن ، فلماذا یُطِردُ أحمدُ بن محمد بن عیسى الأشعریُّ ، أحمد بن محمد البرقیَّ ولا یطرد الصفارَ الّذی روى عن البرقی؟ لا یمکن الجواب عن ذلک إلاّ بما قلناه الآن وبما سنوضحه لاحقا.
إنّ روایه القمیّین أحادیث عن المفضّل بن عمر ، ومحمّد بن سنان ، وسعد الإسکاف ، والنوفلیّ ـ المتهّمین بالغلوّ والتفو یض ـ بجنب الرجال الذین لا کلام فیهم من أصحاب الأئمّه ، لیؤکّد أنّهم لم یختلفوا مع تلک الروایات وما جاء فیها من افکار ، بل إنّ اختلافهم کان لأصول رسموها لأنفسهم فی الجرح والتعدیل انطلاقا من حرصهم وتشدّدهم المبرّر للحفاظ على تراث المذهب ، أو لظروف التقیه التی کانوا یعیشون فیها ، وبعباره أخرى : خاف علماء قم من نشر الروایات التی یعسر فهمها على غیر العلماء حتى لا تترتب مفاسد علمیه وعقائدیه فی المجتمع الشیعی ، لأن اساءه فهم هذه الروایات ، قد یستغل من قبل اعداء المذهب للطعن فیه.
إذن المنع لم یکن لبطلان تلک الاخبار أو لمخالفتها لأصول المذهب بل کان لاعلانها والجهر بها بین عامه الناس ، أو لمخالفتها لاصولٍ لا یفهمون ابعادها فیسیئون فهمها ، ولاجل ذلک ترى المحدثین کالصدوق والکلینی رحمهما اللّه‏ لم لم یتداولاها بشکل واسع فی مصنفاتهم وانحصرت ببصائر الدرجات وأمثال ذلک فی العصور اللاحقه.
وعلیه فإن أحمد بن محمد بن عیسى الأشعریَّ لما أعاد البرقیَّ أراد أن یوقفنا على أنّ القرار کان مقطعیا بتصور ان البرقی لم یتثبّت فی نقل الروایه أو لأی شی اخر ، والان قد ارتفعت ، فقد ذکر السیّد بحر العلوم فی رجاله (۹) والخوانساری فی الرّوضات (۱۰) أن الاشعری مَشى حافیا فی جنازه البرقی کی یصحح موقفه وکی لا یلتبس الامر على الاخرین وغرضه من ذلک قدس‏سره توثیق البرقی حتى لا تضیع روایاته التی هی معتمد المذهب ؛ وفی الوقت نفسه التأکید على حرصه على المذهب وخوفا من اساءه فهم النصوص أو استغلالها من قبل المغرضین ، فإنه ; أراد التأکید على امرین معا ۱ ـ وثاقه البرقی ۲ ـ حرصه على المذهب وخوفه من اساءه فهم نصوصه من قبل المغرضین والجاهلین. ولاجل ذلک لم تره یطرد امثال الصفار بل اقتصر طرده على امثال البرقی ، ثم رجوعه عن ذلک ، کل ذلک من اجل الحیطه والحذر على روایاتنا واحادیثنا.
کلّ هذا یدعونا لأن نقف وقفهَ متأمِّل على غرار اصحابنا الرجالیین فی أحکام القمیین على الرواه والروایه ، وأن أحکامهم کانت مقطعیه ولم تکن استمراریه لکلّ الأزمان ، ونحن بعملنا هذا نرید أن ننتزع بعض تلک الأصول المتبنّاه عندهم ولا نرید ان نقول أنّها عامه وجاریه فی کلّ المجالات ، لأ نّهم وحین جرحهم لأولئک الأُناس تراهم یذکرون العله التی جرحوهم من أجلها ، کالغلوّ ، أو روایته عن الضعفاء ، أو اعتماده المجاهیل وغیرها ، فلنا أن نسأل عن تلک الجروح ، هل هی جارحه حقا أم لا؟ وما هو مدى اعتبارها ، وهل هی أُصول معتبره عندنا الیوم أم أنّها متروکه؟
وإنما قدمنا هذا الکلام وأشرنا إلى هذه البحوث ، لنقف من بعد على بعض ملابسات کلام الشیخ الصدوق ; الآتی ، وما یمکن ان یکون مستند القمیین فی جروحهم ، ولکن قبل کلّ شیء لابدّ من الاشاره إلى مبتنى المدارس الفکریه فی المجتمعات الإسلامیه ومنها الشیعیه الإمامیه.

فهناک مدرستان عند الشیعه الإمامیه :

۱ ـ مدرسه العقل ، وهی المدعومه غالبا بالنقل ، فقد تواجدت فی بغداد المعتزله وتکاملت على ید الشیخ المفید والسیّد المرتضى والشیخ الطوسی ‏ ومنه انتقلت إلى النجف ، والحله ، وجبل عامل.
۲ ـ مدرسه النقل ، وهی التی تاسست فی المدینه المنوره لتنتقل إلى بغداد الأشاعره وقم المحدّثین ، وکربلاء الاخباریه فی عهد الشیخ أحمد الاحسائی والشیخ یوسف البحرانی ، وامثالهم ثم تحولها إلى الاصولیه فی عهد الوحید البهبهانی وصاحب الریاض وأمثالهم.
وبما أن بحثنا یرتبط بشیء وآخر بالمحدّثین والمتکلمین ، فلابد من توضیح أمر یتعلق بالمحدثین من الشیعه والسنه کذلک ، وأنّهم على قسمین :
قسم قصدوا حفظ الشرع بمعرفه صحیح الحدیث من سقیمه ، ولذلک رحلوا إلى الأمصار فی سماع الحدیث وجمع طرقه وطلب الأسانید العالیه فیه ، دون التفقّه فیما یخالفها وکیفیّه الجمع بین الروایات.
وقسم آخر : المتفقهه ، وهم الذین أضافوا إلى جمع الحدیث التدبّر فیه ومقایسته مع الأحادیث الأُخرى وعرضه على القرآن الحکیم للوقوف على وجوه الجمع والتأو یل فیها.
وقد یسـمّى القسم الأوّل من هؤلاء المحدّثین بالحشو یه ، لأ نّهم لا یتدبّرون فی المتون بقدر ما یتدبّرون فی الأسانید ، وقد یطلق على هؤلاء أحیانا ( المقلّده ) و ( أصحاب الحدیث ) و ( الأخباریون ) ، علما بأنّ لفظه ( الحشویه ) أُطلقت أوّلا على المحدثین من العامّه وخصوصا الحنابله منهم (۱۱) ـ وإن سعى ابن تیمیه لإبعاد هذا اللقب عنهم (۱۲) ، لکنه لم یوفق فی عمله ـ ثم أُطلقت فی الزمن المتأخرّ على بعض محدّثی الشیعه ، لروایتهم أحادیث فی التشبیه والتجسیم ، أو لنقلهم أحادیث ضعیفه فی مسأله تحریف القرآن (۱۳) أو لنقلهم الغثّ والسمین والذی عبّر عنهم الشیخ المفید : أنّهم لیسوا بأصحابِ نظرٍ وتفتیش ولا فکر فی ما یروونه ولا تمییز (۱۴)
وقال أیضا فی رساله ( عدم سهو النبی ) : فلیس یجوز عندنا وعند الحشویه المجیزین علیه السهو أن یکذب النبی صلی الله علیه وآله وسلم متعمّدا ولا ساهیا (۱۵)
وقد اتّبع السیّد المرتضى أُستاذه فی ردّ المحدثین فکتب رسائل فی ذلک کرساله الرد على أصحاب العدد ، ورساله فی إبطال العمل بأخبار الآحاد ، واتّهم القمیین کافّه بالتجسیم ، إذ قال :
أنّ القمّیّین کلّهم من غیر استثناء لأحد منهم ـ إلاّ أبا جعفر ابن بابویه ـ بالأمس کانوا مشبِّههً مجبِّرهً ، وکتبهم وتصانیفهم تشهد بذلک وتنطق به ، فلیتَ شعری أیُّ روایه تخلص وتسلم من أن [ لا ] یکون فی أصلها وفرعها واقفٌ ، أو غال ، أو قمی مشبهٌ ، والاختبار بیننا وبینهم التفتیش ، ثمّ لو سَلِمَ خبرُ أحدهم من هذه الأُمور ، لم یکن راویه إلاّ مقلدٌ بحت معتقدٌ لمذهبه بغیر حجّه ودلیل (۱۶)
وقد کتب العلاّمه الفتونی العاملی المتوفى ۱۱۳۸ ه‍ رساله باسم ( تنزیه القمّیّین ) فی جواب السیّد المرتضى ، وقد طبعت هذه الرساله فی مجله تراثنا ، العدد – ۵۲ ، الرابع للسنه الثالثه عشر / شوال ۱۴۱۸ ه‍.
وقد سمّى الشیخ المفید فی الفصول المختاره هؤلاء الشیعه : … جماعه من معتقدی التشیّع غیر عارفین فی الحقیقه ، وإنّما یعتقدون الدیانه على ظاهر القول ، بالتقلید والاسـترسال دون النظر فی الأدّله والعمل على الحجّه .(۱۷)
ووصف الشیخ الطوسی هؤلاء المقلّده فی أصول الدین ، بقوله : إذا سُئلوا عن التوحید أو العدل أو صفات اللّه‏ تعالى أو صحّه النبوه قالوا : کذا رو ینا ، ویروون فی ذلک کلّه الأخبار (۱۸)
ومن خلال ما سبق اتضح لنا وجود بعض التخالف بین منهج القمّیّین ومنهج البغدادیّین فی العقائد والفقه ـ أو قل اختلاف المبانی والسلائق بینهم ـ إذ ان المنهج الاول غالبا ما یعتمد على الاحادیث تبعا لمشایخهم دون لحاظ ما یعارضه بعمق ، وأمّا المنهج الثانی یرى لزوم التدبر فیما یروونه بعمق ، والسـعی لرفع التعارض بین الاخبار ، وخصوصا فی المسائل العقائدیه.
وبعباره أُخرى : إنّ القمّیّین قد یکونون أُصیبوا بردّه فعل ، بسبب الصراع بین عقیدتهم الصحیحه فی أهل البیت وبین نزعه الحشویه المتفشیّه عند بعضهم ـ أی نزعه الجمود على الأخبار ـ وذلک لابتعادهم عن الحرکه العقلیه التی کان یحظى بها البغدادیون فی طریقه الجمع بین الاخبار ، ولوقوفهم على أخبار دالّه على النهی من الأخذ بالرأی فی الأحکام من قبل الأئمّه ، فواجهوا مشکله ، فمن جهه وقفوا على وجود هکذا أخبار فی مرو یّاتهم ، ومن جهه أُخرى وقفوا على نصوص أُخرى دالّه على شرعیّه الاعتماد على العقل ، وجواز الاجتهاد فی دائره النصوص ، فاکتفوا بتوثیقات مشایخهم الثقات ووقفوا علیها ، فأخذوا یتشدّدون فی أخذ الأخبار إلاّ عن الثقات وما رواه مشایخهم ، خوفا من دخول الفکر الأجنبی فی صلب العقیده. وخوفا من تزندق المتزندقه الذین یحاولون التشکیک بکل شیء ، إذ أن مصنفات الشیخ الصدوق قدس‏سره ناطقه ببراعته العقلیه العظیمه ، وأنّه ; وکذلک مدرسه قم هم أهل نزعه عقلیه ظاهره ممزوجه مع فهم روائی ، غایه الامر أنّ الظروف التی کانت تحیط بهم تمنعهم من فتح هذا الباب على مصراعیه خوفا على المذهب.
أمّا البغدادیون فکانوا یرون لأنفسهم مناقشه النصوص تبعا لقول أئمتهم فی لزوم عرض کلامهم على القران والسّنّه المتواتره القطعیّه والعقل وترک ما یُخالف سیره المتشرّعه ، فکانوا لا یأخذون العقل دلیلاً مستقلاً دون النص ، بل کانوا یفهمون النص على ضوء العقل ، وبذلک صار القمّیّون ألصق بنزعه الحدیث منها إلى نزعه العقل ؛ حفاظا منهم على تراث العصمه وأنّه هو المقدم فی عملیات الاستدلال والاستنباط باعتبار أنّ الظروف المحیطه بهم آنذاک تدفعهم للوقوف بوجه من یرید الکید بالمذهب الحق وتشو یه صورته.
وإلیک الآن بیان بعض تلک المسائل الخلافیه التی یمکننا فی ضوءها توضیح بعض المتبنیات الفکریه للطرفین ، نطرحها کمحاوله فی هذا المجال ولا ندعیها قواعد عامه واصول لا یمکن تخطیها ، بل هی نقاط توصلنا إلیها وفق التتبع الاولی لمواقفهم ومرویاتهم ، مؤکدین بأن البت فی اُصول منهجهم لا یتحقق إلاّ بعد الاستقراء التام لمرویاتهم وما قیل عنهم ، وإلیک تلک النقاط الثلاث.
۱ ـ البغدادیون یأخذون بتوثیقات القمّیین لتشدّدهم ویترکون طعونهم لتسرعهم
اشتهر عن القمّیین تشددهم فی الأخذ عن الرجال ، جرحا وتعدیلاً ، وقد ثبت عند علماء الرجال سنه وشیعه (۱۹) الأخذ بتوثیقات المتشدّدین وعدم الاعتناء بطعونهم ، لأ نّهم یجرحون الرجال بأدنى کلمه ، فلو ترضّوا على أحدٍ صار توثیقا له ، ودلیلاً على سلامه معتقده ، وعلیه یکون توثیقهم قد جاء بعد الفحص الشدید والتنقیب العالی ، فمن اعتمده القمیون فقد جاوز القنطره (۲۰)
هذا وقد عدّ الرجالیون اعتماد القمّیّین وروایتهم عن شخص ، أحدَ أسباب المدح والقوه وقبول الروایه (۲۱)
قال النجاشی : إبراهیم بن هاشم ، أبو إسحاق القمّی ، أصله کوفی انتقل إلى قم … (۲۲)
وأضاف الشیخ فی الفهرست : وأصحابنا یقولون : إنه أوّل من نشر حدیث الکوفیین بقمّ ، وذکروا أنّه لقی الرضا (۲۳)
قال السیّد الخوئی فی المعجم : لا ینبغی الشک فی وثاقه إبراهیم بن هاشم ویدل على ذلک عده امور :
منها : أنّه أوّل من نشر حدیث الکوفیین بقمّ ، والقمّیّون قد اعتمدوا على روایاته ، وفیهم من هو مستصعب فی أمر الحدیث ، فلو کان فیه شائبه الغمز لم یکن یتسالم على أخذ الروایه عنه وقبول قوله (۲۴)
ومثله الکلام عن إبراهیم بن محمد الثقفی ، أبی إسحاق ( صاحب الغارات ) ، قال عنه المجلسی الأوّل فی شرح مشیخه الفقیه : أصله کوفیّ ، وانتقل أبو إسحاق هذا إلى إصفهان وأقام بها ، وکان زیدیّا أوّلاً ، ثمّ انتقل إلینا ، ویقال : إن جماعه من القمیین ـ کأحمد بن محمد بن خالد ـ وفدوا إلیه وسألوه الانتقال [ إلى قم ] فأبى.
وکان سبب خروجه من الکوفه أنّه عمل کتاب ( المعرفه ) وفیه المناقب المشهوره والمثالب ، فاستعظمه الکوفیّون وأشاروا علیه بأن یترک الکتاب ولا یخرجه للناس ، فقال : أی البلاد أبعد من الشیعه؟
فقالوا : أصفهان ، فحلف : لا أروی هذا الکتاب إلاّ بها ، فانتقل إلیها ، ورواه بها (۲۵)
قال الذهبی فی ترجمه إبراهیم الثقفی : بَثَّ الرَّفْضَ ، وطلَبَهُ أهلُ قمّ لیأخذوا عنه فامتنع ، ألّف فی المغازی ، وخبر السقیفه ، وکتاب الردّه ، ومقتل عثمان ، وکتاب الشورى ، وکتاب الجَمَل وصفّین ، وسیره علیّ ، وکتاب المصرع وغیرها (۲۶)
قال الوحید البهبهانی فی تعلیقته على منهج المقال : إنّ معامله القمیّین المذکوره ربّما تشیر إلى وثاقته ، یُنَبِّهُ على ذلک ما یأتی فی إبراهیم بن هاشم (۲۷)
وقال التستری فی القاموس عن محمد بن عبداللّه‏ الهاشمی : عنونه النجاشی قائلاً : له کتاب یرویه القمیّون … وهو یدل على حسنه ، لأنّ مسلکهم التدقیق ، ولولا أنّ غرضه ذلک لما خصّ روایته بهم (۲۸)
هذا بعض الشیء عن منهج الرجالیین فی التعدیل فتراهم یوثّقون شخصا لأ نّه « أول من نشر أخبار الکوفیّین بقم » أو « أنّ أهل قمّ دعوه » ، أو «له کتاب یرویه القمیون» ویعتبرون أمثال هذه النصوص توثیقا لهؤلاء الرجال أو مشعره بالتوثیق ، فی حین أنّک لو رجعت إلى أقوال الرجالیین کالکشی ، والنجاشی ، والشیخ ، وغیرهم فلا تراهم یصرّحون بتوثیق إبراهیم بن هاشم ، وإبراهیم الثقفی ، ومحمد بن عبداللّه‏ الهاشمی وغیرهم إلاّ من خلال تلک القاعده العامه المذکوره المأخوذ بها عند الرجالیّین شیعه وسنه ، فإنّ هؤلاء یأخذون بتوثیق المتشدد ، لأ نّه جاء وفق استقراء وتتبّع ، ویترکون الاعتناء بجروحه إلاّ أن تکون تلک الطعون نصوصا صریحه صادره عن المعصومین.
والعامّه یشترطون فی الجرح أن یکون مفسّرا ، ولا یقبلون بجرح الأقران فیما بینهم ، ومن یختلفان فیما بینهما فی العقیده والمذهب. والکل یتّفق على لزوم التّأنّی والتدبّر فیما یقوله المتشدّد وعدم الأخذ بکُلّ ما یقوله ؛ وذلک لتسرّع المتشددین فی إطلاق الأحکام على الأشخاص بمجرّد التهمه ، وقبل تمام التحقیق عنه ، فتراهم ینسبون إلى الآخرین أشیاء عظیمه وربّما أمروا بقتل بعض المؤمنین ـ کما فی محمد بن آورمه ـ بمجرّد شیوع الخبر الذی مفاده أنّ عنده أوراقا فی الباطن ، أو لمجرد روایته خبرا یخالف معتقد الاخرین.
وقد أضافت العامّه قانونا فی الجروح العامّه ، وهو جرح بعض العلماء لأهل بعض البلاد ، أو بعض المذاهب ، بأنْ لا یُؤخذ بتلک الجروح إلاّ بعد أن ینقّح الأمر فی ذلک الجرح ، کجرح الذّهبی وابن تیمیه لکثیر من الصوفیه وأولیاء الأمه (۲۹) ، أو مبالغه الذهبی فی نقد الأشاعره ، والدارقطنی والخطیب البغدادی فی جرحهما أبا حنیفه وأصحابه.
فالواجب على العالم أن لا یبادر إلى قبول أقوالهم بدون تنقیحها ، ومن قلّدهم من دون الانتقاد ، ضَلَّ وأوقع العوامَّ فی الفساد (۳۰)
ومن هنا نقف على قیمه الطعون العامه الصادره من الاطراف المشدده ، فلا یمکن الاعتماد علیها لأ نّها نصوص متطرفه.
قال الشیخ الصدوق فی اعتقاداته : وعلامه المفوِّضه والغلاه وأصنافهم نسبتهم مشایخ قمّ وعلمائهم إلى القول بالتقصیر (۳۱)
وقد علّق الشیخ المفید البغدادی فی شرح عقائد الصدوق بقوله : وأمّا نصّ أبی جعفر ; بالغلوّ على مَن نَسَبَ مشایخ القمیین وعُلماءهم إلى التقصیر ، فلیس نسبهُ هؤلاء القوم إلى التقصیر علامهً على غلوّ الناس ، إذ فی جمله المشار إلیهم بالشیخوخه والعلم من کان مقصرّا ، وانّما یجب الحکم بالغلوّ على من نسب المحقِّقین إلى التقصیر ، سواء کانوا من أهل قمّ أو من غیرها من البلاد وسائر الناس.
وقد سمعنا حکایه ظاهره عن أبی جعفر محمّد بن الحسن بن الولید ; لم نجد لها دافعا فی التقصیر ، وهی ما حکی [ عنه ] أنّه قال : أوّل درجه فی الغلوّ نفیُ السهوِ عن النبیّ والإمام.
فإن صحّت هذه الحکایه عنه فهو مقصّر مع أنّه من علماء القمیین ومشیختهم.
وقد وجدنا جماعه وردوا إلینا من قمّ یقصّرون تقصیرا ظاهرا فی الدِّین ، ویُنزلون الأئمّه : عن مراتبهم ، ویزعمون أنّهم کانوا لا یعرفون کثیرا من الأحکام الدینیه حتى ینکت (۳۲) فی قلوبهم ، ورأینا من یقول : أنّهم یلتجئون فی حکم الشریعه إلى الرأی والظنون ، ویدّعون مع ذلک أنّهم من العلماء. وهذا هو التقصیر الذی لا شبهه فیه (۳۳)
قال الوحید البهبهانی : ثمّ اعلم أنّه [ أی أحمد بن محمد بن عیسى ] وابن الغضائری ربّما ینسبان الراوی إلى الکذب ووضع الحدیث أیضا بعدما نسباه إلى الغلوّ ، وکأ نّه لروایته ما یدل علیه ، ولا یخفى ما فیه (۳۴)
وقال أیضا : وقد حققنا على رجال المیرزا ضعف تضعیفات القمیّین ، فإنّهم کانوا یعتقدون ـ بسبب اجتهادهم ـ اعتقاداتٍ من تعدّى عنها نسبوه إلى الغلوّ ـ مثل : نفی السهو عن النبی أو التفو یض ، مثل تفو یض بعض الاحکام إلیه ـ أو إلى عدم المبالاه فی الروایه والوضع ، وبأدنى شیء کانوا یتّهمون ـ کما نرى الان من کثیر من الفضلاء والمتدیّنین ـ وربّما یخرجونه من قم ویؤذونه وغیر ذلک (۳۵)
وقال الشیخ محمد ابن صاحب المعالم : إنّ أهل قمّ کانوا یخرجون الراوی [ من البلده ] بمجرّد توهّم الریب فیه (۳۶)
فإذا کانت هذه حالتهم وذا دیدنهم ، فکیف یعول على جروحهم وقدحهم بمجرده ، بل لابد من التروی والبحث عن سببه والحمل على الصحه مهما أمکن.
قال العلاّمه بحر العلوم فی رجاله ، وعنه نقل المحدّث النوری فی خاتمه المستدرک : وفی الاعتماد على تضعیف القمیّین وقدحهم فی الأُصول والرجال کلام معروف ، فإنّ طریقتهم فی الانتقاد تخالف ما علیه جماهیر النقّاد ، وتسرّعهم إلى الطعن بلا سبب ظاهر ، مما یریب اللبیب الماهر ، ولا یلتفت أحد من أئمّه الحدیث والرجال إلى ما قاله الشیخان المذکوران یعنی ابن الولید وابن بابویه فی هذا المجال ، بل المستفاد من تصریحاتهم وتلو یحاتهم تخطئتهما فی ذلک المقال أی الطعن فی أصل زید النرسی (۳۷)
نماذج أخرى من تشدّد القمّیین
قال الکشی فی الحسین بن عبیداللّه‏ [ المحرر ] : أنّه أُخرج من قم فی وقت کانوا یخرجون منها من اتهموه بالغلو (۳۸)
وروى الکشی ، عن جعفر بن معروف القمی ، قال : صرت إلى محمد بن عیسى [ العبیدی ] لاکتب عنه ، فرأیته یتقلنس بالسوداء ، فخرجت من عنده ولم أعد إلیه ، ثمّ اشتدّت ندامتی لِما ترکت من الاستکثار منه لمّا رجعت ، وعلمت أنِّی قد غلطت.
وعن علی بن محمد القتیبی ، قال : کان الفضل یحبُّ العبیدی ویثنی علیه ویمدحه ویمیل إلیه ویقول : لیس فی أقرانه مثله (۳۹)
ولو راجعت ترجمه القاسم بن یقطین القمی (۴۰) والحسن بن محمد المعروف بابن بابا (۴۱) ترى فی ترجمتهما ما یظهر اعتبار محمد بن عیسى العبیدی عند الإمام الهادی والعسکری علیهما السلام ، لان محمد بن عیسى العبیدی قال : کتب إلّى أبو الحسن العسکری [ وفی آخر العسکری ] ابتداء منه (۴۲)
قال أبو العباس بن نوح : وقد أصاب شیخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الولید فی ذلک کله وتبعه أبو جعفر بن بابو یه على ذلک إلاّ فی محمد بن عیسى بن عبید ، فما أدری مارابه فیه!! لأ نّه کان على ظاهر العداله والثقه (۴۳)
وقال النجاشی : ورأیت أصحابنا ینکرون هذا القول ویقولون : مَن مِثل أبی جعفر محمد بن عیسى؟! سکن بغداد (۴۴)
وشخص کهذا هو ممن اتّهم عند القمیین بالغلوّ فلم یرووا عنه ، لما قیل عنه : إنّه کان یذهب مذهب الغلاه (۴۵)
وقد تسرّعوا کذلک فی محمد بن موسى بن عیسى السمّان والقول فیه أنّه وضع کتابی زید النرسی وزید الزّراد ، ولو راجعت ترجمه زید النرسی وزید الزراد لوقفت على قول ابن الغضائری : قال أبو جعفر بن بابویه : إنّ کتابهما موضوع ، وضعه محمد بن موسى السمان ؛ وغلط أبو جعفر فی هذا القول ، فإنّی رأیت کتبهما مسموعه من محمد بن أبی عمیر (۴۶)
قال النجاشی : محمد بن موسى بن عیسى ، أبو جعفر الهمدانی السمان ، ضعفه القمیّون بالغلوّ ، وکان ابن الولید یقول : إنّه کان یضع الحدیث ، واللّه‏ أعلم.
له کتاب ما روی فی أیّام الأسبوع ، وکتاب الردّ على الغلاه.
اخبرنا ابن شاذان عن أحمد بن محمد بن یحیى ، عن أبیه ، عنه بکتبه (۴۷)
کیف یقول الصدوق ذلک تبعا لابن الولید ، والنجاشی یقول فی رجاله : حدّثنا علی بن إبراهیم بن هاشم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن زید النرسی بکتابه (۴۸)
ونص شیخ الطائفه فی الفهرست على روایه ابن أبی عمیر لکتاب زید النرسی کما ذکره النجاشی ، ثم ذکر فی ترجمه ابن أبی عمیر طرقه المعتبره الصحیحه التی تنتهی إلیه (۴۹)
وقال الشیخ فی العدّه عن ابن أبی عمیر : إنّه لا یروى ولا یرسل إلاّ عمّن یوثق به. وهذا توثیق عامّ لمن روى عنه (۵۰) [ وفیه روایته لکتاب زید النرسی ] ولا معارض له ها هنا.
قال السیّد بحر العلوم : وفی کلام الشیخ تخطئه ظاهره للصدوق وشیخه فی حکمهما بأنّ أصل زید النرسی من موضوعات محمد بن موسى الهمدانی ، فإنه متى صحّت روایه ابن أبی عمیر إیّاه عن صاحبه ، امتنع إسناد وضعه إلى الهمدانی المتأخّر العصر عن زمن الراوی والمرویّ عنه.
وأمّا النجاشی فقد عرفت مما نقلناه عنه روایته لهذا الأصل فی الحسن کالصحیح ـ بل الصحیح على الأصح ـ عن ابن أبی عمیر عن صاحب الأصل ، وقد روى أصل زید الزراد عن المفید ، عن ابن قولو یه ، عن أبیه وعلی بن بابویه ، عن علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسى بن عبید ، عن ابن أبی عمیر ، عن زید الزراد. ورجال هذا الطریق وجوه الأصحاب ومشایخهم (۵۱) ، ولیس فیهم من یتوقّف فی شأنه سوى العبیدی ، والصحیح توثیقه.
وقد اکتفى النجاشی بذکر هذین الطریقین ولم یتعرّض لحکایه الوضع فی شیء من الأصلین ، بل أعرض عنها صفحا ، وطوى عنها کشحا ، تنبیها على غایه فسادها مع دلاله الإسناد الصحیح المتّصل على بطلانها ، إلى أن یقول ; :
ویشهد لذلک أیضا أنّ محمد بن موسى الهمدانی ـ وهو الذی ادُّعی علیه وضع هذه الاُصول ـ لم یتّضح ضعفه بعد ، فضلاً عن کونه وضّاعا للحدیث ، فإنّه من رجال نوادر الحکمه ، والروایه عنه فی کتب الأحادیث متکرّره ، ومن جمله روایاته : حدیثه الذی انفرد بنقله فی صلاه عید الغدیر ، وهو حدیث مشهور ، أشار إلیه المفید ; فی « المقنعه » ، وفی « مسار الشیعه » (۵۲) ، ورواه الشیخ ; فی التهذیب (۵۳) ، وأفتى به الأصحاب ، وعوّلوا علیه ، ولا رادّ له سوى الصدوق (۵۴) وابن الولید ، بناء على أصلهما فیه.
والنجاشی ذکر هذا الرجل فی کتابه ولم یضعّفه ، بل نسب إلى القمیّین تضعیفه بالغلوّ ، ثمّ ذکر له کتبا منها کتاب الرّد على الغلاه ، وذکر طریقه إلى تلک الکتب ، قال ; : وکان ابن الولید ; یقول : إنّه کان یضع الحدیث ، واللّه‏ أعلم (۵۵)
وابن الغضائری وإن ضعّفه ، إلاّ أنّ کلامه فیه یقتضی أنّه لم یکن بتلک المثابه من الضعف ، فإنّه قال فیه : إنّه ضعیف ، یروی عن الضعفاء ، ویجوز أن یخرج شاهدا ، تکلّم فیه القمّیّون فیه بالرد فأکثروا ، واستثنوا من نوادر الحکمه ما رواه (۵۶) ، وکلامه ظاهر فی أنّه لم یذهب فیه مذهب القمّیّین ، ولم یرتضِ ما قالوه ، والخطب فی تضعیفه هیّن ، خصوصا إذا استهانه.
وقد فصّل سیدنا بحر العلوم الکلام عن أصل زید النرسی فی رجاله بحیث کفى الآخرین مؤونه الکلام عنه (۵۷)
ومن الطریف أنّ الشیخ الصدوق قد روى عن ابن أبی عمیر فی کتاب ثواب الأعمال باب ( ثواب غسل الرأس بورق السدر ) عن زید النرسی بهذا الاسناد :
أبی ; ، قال : حدثنی علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن محمد بن أبی عمیر ، عن زید النرسی ، عن بعض أصحابه ، قال : سمعت ابا عبداللّه‏ یقول : کان … (۵۸) الخبر.
وفی من لا یحضره الفقیه ـ کتاب الوصیه ، باب ضمان الوصی لِما یغیره بما اوصى به المیّت ـ :
وروى محمد بن أبی عمیر ، عن زید النرسی ، عن علی بن مزید (۵۹) صاحب السابری

نتیجه ما تقدّم

وبعد کلّ هذا فلیس من البعید أن یکون شیخنا الصدوق ; قد تأ ثّر بمشایخه وتسرّع فی حکمه على الذین رووا الشهاده بالولایه لعلی فی الأذان واتّهمهم بالوضع والغلوّ ؛ لعدم وجود ما یروونه عند مشایخه ، أو لعدم تطابقه مع عقائدهم ، فالصدوق اتّبع شیخه ابن الولید فی نسبه الوضع لکتابی النرسی والزراد إلى أبی جعفر الهمدانی السمّان فی حین عرفت أنّ ابن الغضائری قال : إنّی رایت کتبهما [ أی کتب زید النرسی وزید الزرّاد ] مسموعه من محمد بن عمیر.
وعلیه فلا یمکن الاعتماد على جروح القمیّین بلا تمحیص ، لأنّ المشهور عنهم أنّهم إذا وجدوا روایه على خلاف معتقدهم رَمَوها بالضعف ووصفوا راو یها بالجعل والدسّ.
وبذلک فقد تبیّن لک ـ على سبیل المثال ـ أنّ القمیّین جزموا بضرس قاطع بأنّ أصل الزرّاد موضوع ، فی حین أنّ الطرق الصحیحه إلیه أکّدت أنّه لیس بموضوع ؛ إذ الطریق إلیه صحیح معتبر لا شک فی ذلک ولا ریب ، وهذا یدعونا لأن نشکک فیما یقطع به شیخنا الصدوق قدس‏سره خصوصا إذا انفرد بالقول بالوضع کما فی أخبار الشهاده الثالثه.
ف

لینک کوتاه : https://rahyafteha.ir/ar/?p=676

نوشته مماثلة

تسجيل تعليق

دیدگاهها بسته است.