حسب موقع رهيافته ( قاعدة البيانات الشاملة للمسلمين الجدد و المبلّغين و المهتدون)إن الحوار بين الأديان وتعزيز العلاقات بين المسيحيين والمسلمين ضرورتان للمساعدة في حل الأزمات والمشاكل الشاملة لعالم اليوم.
وقد أكد القرآن الكريم كتاب المسلمين المقدس على أهمية احترام شخصية النبي عيسى(عليه السلام) وقبول صدقه وإنجيله.
وفقًا لتعاليم الإسلام، فإن عبادة الله الواحد وعبادته ومحاولة إقامة العدل والمساواة الاجتماعية والإيمان بعودة المسيح(عليه السلام) مع الامام المهدي(عليه السلام) هي السمات المشتركة بين الديانتين المسيحية والإسلام. وما هو شائع بين العنف والتطرف أو إهانة الأديان ينشأ عن جهل المؤسسات الدينية وتدخل السلطات السياسية.
وبمناسبة بداية العام الميلادي الجديد، أجرت وکالة الأنباء القرآنیة الدولیة(إکنا) حواراً مع أحد كهنة الكنيسة السريانية الأرثوذكسية حول حقيقة تعاليم هذا الدين السماوي والخطوات الفعالة لتعزيز إعادة العلاقات بين المسلمين والمسيحيين.
واعتبر المطران ماكار أشكاريان، مطران أبرشية حلب وتوابعها للأرمن الأرثوذكس، في هذا الحوار المحبة والعاطفة سبباً في خلق نبي الله عيسى(عليه السلام)، مؤكداً على ضرورة الصداقة والتعايش بين أتباع جميع الديانات، كما وصف بعض السلوكيات المسيئة للأديان بأنها علامة على عدم الدين وقلة المعرفة بالله والأخلاق وأكد على ضرورة وجوب الرد عليها بالأعمال الصالحة وليس الأمثلة المضادة.
فيما يلي النص الكامل للحوار:
ما هي أهم تعاليم السيد المسيح(ع) ودور تلك التعاليم في تعزيز التعايش والسلام بين الأقليات الدينية؟
بداية أود أن أتقدم بجزيل الشكر لوكالة “إكنا” للأنباء القرآنية الدولية لإجراء هذه المقابلة, مع فائق تقديري لمسيرة عملكم وتمنياتي لكم جميعاً بدوام النجاح والتألق.
فيما يتعلق بسؤالكم فإن الركيزة الأساسية التي تبني عليها تعاليم السيد المسيح(ع) هي المحبة. وكون السيد المسيح تجسيداً حيَاً لمحبة الله فأراد أن يعلمنا ويبين لنا بتأنسه وبمجيئه للعالم “… تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الاولى والعظمى. والثانية مثلها.تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والانبياء”.
(انجيل متى ۲۲٫۳۷)، بمعنى آخر أن يعرفنا الله “لله لم يره احد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر” (انجيل يوحنا ۱٫۱۸)، ومن هو الله “لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية” (انجيل يوحنا ۳٫۱۶) . و”بهذا قد عرفنا المحبة ان ذاك وضع نفسه لاجلنا فنحن ينبغي لنا ان نضع نفوسنا لاجل الاخوة” (يوحنا ألاولى ۳٫۱۶), كيف هو الله “ونحن قد عرفنا وصدقنا المحبة التي للّه فينا. الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه … في هذه هي المحبة ليس اننا نحن احببنا الله بل انه هو احبنا وارسل ابنه كفارة لخطايانا” (يوحنا ألاولى ۴٫۱۰,۱۶) وبناءً عليه نجسد محبة الله ومعرفته في حياتنا, بمحبتنا للقريبنا كمحبتنا لنفسنا، و” ان قال احد اني احب الله وابغض اخاه فهو كاذب.لان من لا يحب اخاه الذي ابصره كيف يقدر ان يحب الله الذي لم يبصره. ولنا هذه الوصية منه ان من يحب الله يحب اخاه ايضا” (يوحنا ألاولى ۴٫۲۰). إن معجزة ولادة المسيح وحياته كمثال أعلى وذبيحته القربانية على الصليب تعدّ من أسمى وأشد تعابير المحبة.
شهدنا في السنوات الأخيرة إنتشار ظاهرة الإساءة للأنبياء(ع) بذريعة حرية التعبير كيف يمكن مواجهة ذلك؟
ليس فقط خلال السنوات الأخيرة وإنما للأسف هناك دائما أناس يسيئون حرية التحدث والتعبير وهذا ما يكون نابعاً عن جهلهم في بعض الأحيان أو قناعتهم الشخصية أو اتباعهم لأجندات خفية وهذا ما يزعزع ويثير الصراعات في العلاقات الإنسانية. هؤلاء يحاولون دائماً اتباع مثل هذه الأساليب بوسائل مختلفة.
لكن الله بكيانه الروحي وبكمال صورته لا يتنازل أو يتأثر بما يتلفظ به البشر من تعابير أو تصرفات تمسه. كذلك أتباعه من الرسل والأنبياء والقديسين. هنا يمكننا أخذ أشعة الشمس مثالاً توضيحياً لأنها تظل مستمرة في بث الشعاع على الرغم من كل مظاهر القذارة أدناها, انها لا تتاثر بل تؤثر ايجابياً. وهنا نذكر قول القديس بولس: “واما من جهتي فحاشا لي أن افتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وانا للعالم. مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في فما أحياه الآن في الجسد فإنما احياه في الايمان ايمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي” (رسالة إلى أهل غلاطية ۶٫۱۴, ۲٫۲۰).
والسيد المسيح(ع) قال لتلاميذه “طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة، من أجلي…” ( انجيل متى: ۵٫۱۱).
إن العلمانية والإلحاد والمتطرفين ومن نشأت تربيتهم على مبدأ الحرية المطلقة أو على روح الانتقام, يتبعون مثل هذه الأساليب ليعبروا عن رفضهم وعدم تحملهم واختلافهم. ولكننا لسنا بحاجة إلى اتخاذ خطوات سلبية, بل من الأفضل أن نكون حريصين على اسم الله وشرفه وقدّيسيه.
الله يعلمنا أن نغلب الشر بالخير. النار لاتنطفئ بالنار وإنما بالماء. إن كنا نؤمن بحق ونعرف الله وكينونة ديانتنا فينبغي أن نتعامل مع مثل هذه الظواهر بعقل نيّر ومحبة وتفاهم وأن نعبر عن مدى تمسكنا بديانتنا واحترامنا لمقدساتنا بتعابير متزنة وسلوك حميد لكي ننشر رسالة المحبة والتسامح التي تبنى عليها ديانتنا للآخرين ونقودهم إلى المسار الصحيح.
عندما نعيش ونتعايش بما توصينا عليه دياتنا وإيماننا من قيم سماوية وأبدية مرسلة لنا من الله فطبيعة الحال سنصبح أكثر حذراً بتعاملنا مع بعضنا وإلا سيصبح العالم مجرداً عن معرفة الله والدين والأخلاق.
ونحن مدعوون لهذه الدنيا للارتقاء عن تيار العولمة المدمر والمنهك وذلك بتمسكنا لمقدساتنا وتعاليمنا والوصايا الدينية التي هي أساس الصفات والمبادئ الإلهية التي تتجسد بالعدالة والحقيقة والقداسة والحق.
المسيحيون والمسلمون هم أكبر طائفتين دينيتين في العالم كيف يمكن لهما التعايش بسلام؟
والسر الرئيسي للتعايش المتناغم والتعاون هو الحب المتبادل والاحترام والتسامح والتفاهم.
اختلاف الآراء لا يعني بالضرورة العداوة أو الرفض. عادةً ما نجد ضمن الأسرة الواحدة أخوة ولدوا ونشؤوا فيها سوية وهم مختلفون بالآراء والأفكار والاستيعاب وهذه ظاهرة طبيعية جداً.
ولكن على الرغم من الخلاف والاختلاف، عندما يكون لدينا الاستعداد للاستماع إلى رأي الآخر واحترامه، فإن ذلك يخرجنا من حالة الخوف والتوتر ويقودنا إلى الانفتاح على الشخص الآخر وتقبل آرائه وكيانه، ويعزز رابطة الأخوة وروح الصمود والإبداع والعيش والفوز ومواجهة المصاعب سوياً. لأن المحبة والاحترام والثقة المتبادلة هي ما تدفعهم وتوجههم.
كيف تقيمون العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في لبنان خصوصاً بالمنطقة التي تعيش فيها؟
عشت معظم حياتي وطفولتي ومراهقتي وشبابي في لبنان, حيث التعايش المسيحي والإسلامي في أجمل صوره، وحيث تتعايش ۱۷ طائفة دينية مع البعض بالمحبة المتبادلة والاحترام والتفاهم والتعاون الوثيق. وقد رأيت واستمتعت بالمشهد ذاته عندما أتيحت لي الفرصة لرعاية أبرشية طهران للأرمن في الجمهورية الإسلامية الايرانية لأكثر من ۷ سنوات خلال ۲۰۱۱-۲۰۱۸٫
ورأيت أيضًا الحوار والتعايش بين الإسلام والمسيحية، وخاصة العلاقات اليومية القائمة على أسس المحبة والاحترام والتفاهم، وأنا بدوري أهنئهم على ذلك. أما الآن وخلال إقامتي في سوريا بصفتي راعي أبرشية حلب للأرمن الأرثوذكس، رأيت ولامست الصورة ذاتها بشكل أكبر، هنا حيث العلاقة الإسلامية والمسيحية تشكل لوحة فسيفسائية في غاية الجمال و ترتكز على ما ذكرته فيما سبق من قيم، وهي حقًا كنز لا يقدر بثمن وخاصة في الأوقات العصية والظروف الصعبة التي نشهدها حالياً و نواجهها جميعاً كطائفة ومجتمع وبلد وعالم.
وفي العالم المعاصر على الرغم من التقدم العلمي الذي قد حققه البشر لا تزال الخلافات الدينية في بعض الدول كـ الهند و بعض دول إفريقيا تسبب الحرب والتوتر ما هي جذور هذه التطورات في عالم اليوم؟
والسبب الرئيسي للحساسيات الدينية والفظائع والضغوطات التي تحدث في إفريقيا والهند وأماكن أخرى هو على الأرجح التطرف الديني والتوجيهات الدينية الخاطئة، فضلاً عن نقل معلومات غير دقيقة أو غير كافية عن الأديان الأخرى. ويعود السبب في بعض الأحيان إلى جهل الناس وبعض الجماعات الدينية.
وعندما يفكر الإنسان في طبيعته ويدرك أن الجميع في طبيعتهم أخوة بالإنسانية وأن الجميع من خلق الله وأن كل منهم قيمة بحد ذاتها عند الله ولهم بطبيعة الحال حق العيش بحرية والعمل والتمتع بكافة الحقوق المتاحة لهم في المجتمع والمدينة والبلد الذي يعيشون فيه, لم يمنحوا أنفسهم الحق في سلب حقوق الآخرين وسجنهم واعتقالهم وتجاهلهم وقتلهم وإذلالهم لأن لهم ذات الحقوق التي يتمتع بها هو ولهم حق البقاء واختيار الدين الذي يريدون اتباع تعاليمه “فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضاً “(انجيل متى ۷:۱۲).
إذا فهم الناس هذا وطبقوه في حياتهم اليومية, فسيعيشون بلا أدنى شك السماء على الأرض, حيث تحيط المحبة المثالية والسلام والتفاهم العالم والإنسانية جمعاء.
شجرة عيد لميلاد تحظى بشعبية كبير لدى المسيحيين وغير المسيحيين ما علاقة الشجرة بالسيد المسيح؟
كما تعلمون شجرة الميلاد التي تتزين كل عام بمناسبة رأس السنة الجديدة وعيد الميلاد المجيد. الشجرة ليس لها أساس في الكتاب المقدس ولكنها ولدت كظاهرة تقوى بحتة ولها تفسيرات روحية عدة. يمتد استخدام الشجرة إلى عدة قرون وترمز بخضارها الدائم إلى الحياة الأبدية، وبالنسبة للبعض فهي شجرة الحياة وذلك بحسب تفسير آخر. أما أوراقها الإبرية المرتفعة إلى السماء ترمز إلى صلوات وأدعية المؤمنين الموجهة إلى الله.
ويعكس تزيين الشجرة والأضواء الموضوعة عليها من ناحية بركات الله والخيرات التي هلّت على العالم بولادة السيد المسيح(ع)، والذي يصفه الإنجيل المقدس بالنور والحياة والسلام والفرح والغبطة والحرية والقداسة والعدالة والحق والشفاء والمواساة وغفران الخطايا الخ… ومن ناحية أخرى، فهي ترمز إلى الفضائل التي يجب أن تميز حياة كل مؤمن حقيقي، مثلاً بالإيمان والمحبة والأمل والخير والتواضع والوداعة والصدق والرعاية والاعتدال والإخلاص والتضحية والمغفرة إلخ.
لذلك، فإن الشجرة في بساطتها ترمز إلى الفرح والسعادة اللذين يمنحهما وجود الله فينا، والبركات والخيرات التي يمكن للإنسان أن يتمتع بها ويعيشها.
هل يعرف أتباع الديانة المسيحية أن السيد المسيح ذكر في العديد من آيات القرآن الكريم؟
هنالك الكثيرون أيضاً ممن يعيشون في دول الشرق الأوسط نشأت بينهم وبين أخواتهم علاقة متينة قائمة على المحبة المتبادلة. هناك أيضاً ممن لهم مشاركة فعالة ضمن إطار الحوارات والاجتماعات الدينية ولهم معارف كثر. وهناك ممن يتابعون برامج أو حوارات دينية تعرض على القنوات الفضائية أو تُبَث من الإذاعات أو على وسائل إعلامية أخرى. هؤلاء بالتأكيد على دراية تامة عما ذكرتم.
ما هي حلول واقتراحتكم لتعزيز العلاقة بين المسلمين والمسيحيين وإنهاء الخلافات؟
و العالم بأسره يواجه مشاكل وصعوبات وتحديات غير مسبوقة. حروب ودمار ووباء وأمراض وظلام وموت ورعب وتدهور اقتصادي وبطالة وفقر وظلم واحتلال وسلب حقوق وانحطاط أخلاقي وكفر وقسوة بالإضافة إلى الحصار والضغط. البشر جميعهم يبحثون عن مخرج ومنفذ.
وأمنيتي ودعواتي بمناسبة قدوم رأس السنة الجديدة وعيد الميلاد المجيد هي أن تشتعل محبة الله كالنار الحية في قلب كل فرد وتنتشر منه إلى الآخرين، حتى تنعم الإنسانية والعالم أجمع بالسلام الحقيقي والعدالة والحق. وأن يمارسون التقوى والمحبة الأخوية ويتشبثون بالخير دائماً, متأملين ومتمنيين الخير لأخيهم الإنسان ولأنفسهم.
اکنا