والحمد لله رب العالمین، والصلاه والسلام على محمد وآله الطاهرین، ولعنه الله على أعدائهم أجمعین.

إقامه مؤتمرکم بمنزله إیجاد مصادر ومقدمه للأعمال الفنّیّه

أشکرکم جزیل الشکر حقاً، أیها الساده المحترمون، لأنکم فکّرتم فی هذا، وخضتم هذه المبادره العظیمه. بالطبع هذه مقدمه، أیْ مبادرتکم وإحیاؤکم ذکرى جناب حمزه (ع) بمنزله تهیئه الأرضیه وإیجاد المصادر للأعمال اللاحقه. العمل الرئیسی ینبغی أن یفعله الفن، ویجب حتماً استخدام الفنون التمثیلیه واللغویه والتجسمیّه فی هذه المسأله لکی یتحقق الهدف من تکریم شخصیه مثل جناب حمزه وإحیاء ذکراها. وإلّا مجرّد إحیاء الذکرى [لن یفضی إلى نتیجه]. طبعاً، الآن لأنه سیُبث فی وسائل الإعلام من الممکن أن ینتشر اسم هذا الرجل العظیم زمناً لکن ما تریدون القیام به، إذ تریدون صناعه ثقافه وأنموذج، لا یمکن تنفیذه کلیاً إلّا بالعمل الفنی، وإلّا سیظل ناقصاً. لذا عملکم جید جداً. بقدر ما تستطیعون – کما ذکرتم وهو صحیح – رکّزوا على الإتقان وارفعوا الجوده؛ هذا یؤدی إلى وصول الشخص الذی یرید إنجاز عمل فنی إلى المصادر والمستندات اللازمه.

غربه حمزه (ع) وشخصیّته المؤثّره فی الوقت نفسه

أما بعض الجمل بشأن جناب حمزه (ع)، فحقاً إنه أحد أصحاب رسول الله (ص) الغریبین، خاصه مع ذلک الدور الذی أدّاه. عندما یؤمن… تلک الطریقه لإیمان هذا الرجل العظی حین یصرخ علانیه: «لقد أسلمت» ویعلن إسلامه، بعدما ضرب أبا جهل ضرباً مبرحاً، وفق قول ابن الأثیر – فی أسد الغابه(۲)، فکذلک یقول ابن الأثیر -، ثم موضوع الهجره، ودخول المدینه المنوره والتأثیرات لدى شخصیته فی بناء هذه العماره الإسلامیه العظیمه التی یریدها الرسول (ص) فی تلک البیئه الصغیره. ثم وفق روایه کانت أول سَریّه أرسلها الرسول (ص) هی سریه جناب حمزه (ع)، إذْ شدّ له رایه وأرسله إلى الحرب. ثم فی معرکه بدر وتلک الحرکه العظیمه التی فعلها مع الشخصین العظیمین الآخرین، ثم فی معرکه أحد. وعندما کان جناب حمزه یقاتل، کانت معه علامه، أی کان على ملابسه ومظهره علامه – على ما یبدو فی معرکه بدر – وأحد الأسرى یقول: من کان صاحب تلک العلامه؟ قالوا: لقد کان حمزه بن عبد المطلب (ع). قال: کل ما حلّ بنا کان على یده. هو الذی لوّع جیش الکفار فی بدر! لقد کان مثل هذه الشخصیه. رغم هذه الحال، فهذا الرجل العظیم ما زال مجهولاً، واسمه غیر مطروح، وشرح حاله غیر مطروح، وخصوصیاته غیر مطروحه. إنه [أمر] غریب حقاً.

الاهتمام الفنّیّ بأهمّ صحابه الرّسول (ص)

رحمَ الله مصطفى العقّاد حقاً، وینبغی أن نشکره على تصویر هذه الشخصیه العظیمه فی فیلم «الرساله»(۳) فی إطار عمل فاخر – إنه فاخر للحقّ والإنصاف، خاصه الجزء المتعلق بحمزه (ع) الذی ممثله أیضاً ممثل مشهور ومهم جداً(۴)، وکان متألقاً حقاً – استطاع تصویر حیاه هذا الرجل العظیم إلى حد ما، إلى حد ما بالطبع. وهذا العمل یجب أن یُفعل. طبعاً هذا العمل یجب أن یُفعل لسائر صحابه الرسول (ص). یجب أداء العمل نفسه لعمار. یجب فعله لجناب سلمان ولجناب المقداد. مَن یعرف المقداد؟ من یعرف ماذا فعل؟ فبعض الصحابه من الدرجه الأولى «حاص حیصه»(۵) بعد الرسول (ص) إلّا المقداد؛ کان الوحید الذی لم یهتز. هذه الأشیاء مهمه جداً، ویجب إحیاؤها. أو جناب جعفر بن أبی طالب (ع) أیضاً… خاصه حیاه جناب جعفر (ع)، إذ إن قابلیّتها الفنیه – بتعبیرهم-  والدرامیه عالیه جداً: تلک الهجره إلى الحبشه وجوده [تفاصیلها] والذهاب والإیاب وما إلى ذلک. إنه عمل ذو جوده عالیه ومن الناحیه الفنیه یمکن التطرّق إلى [تلک التفاصیل] بأسلوب جید. لذلک ما یمکن قوله فی المقام الأول هو أن هذا الرجل العظیم غریب للحقّ والإنصاف.

عظمه الشّخصیّه لجناب حمزه (ع) فی کلام أمیر المؤمنین (ع)

بالإضافه إلى هذه الأعمال – فی رأیی – إن کلام أمیر المؤمنین (ع) وتلک الروایه حول جناب حمزه التی ینقلها نور الثقلین عن الخصال – طبعاً رأیتها فی نور الثقلین ولم أرجع إلى الخصال – هی روایه مهمه. ینقل الإمام الباقر (ع) عن أمیر المؤمنین (ع) هذا [القول]، و[طبعاً] الروایه مفصله وهذا جزء منها: «لقد کنتُ عاهدتُ الله – تعالى – ورسولَه أنا وعمی حمزه وأخی جعفر وابن عمی عُبیده». وهو نفسه عبید ابن الحارث… ولا أحد یعرف هذا العظیم إطلاقاً. کان من بین أولئک الثلاثه الذین ذهبوا إلى النزال فی معرکه بدر، واستشهد فی ما بعد. فی الأساس لا أحد لدیه خبر به. یذکر الأمیر (ع) اسمه [ویقول]: أنا وعمی حمزه وأخی جعفر وابن عمی عبیده «على أمرٍ وفّینا به لله ولرسوله (ص)»، أی اتفقنا على موضوع ما، وعاهدنا الله ورسوله، أی جلسوا وتعاهدوا. جلس أمیر المؤمنین (ع) الشاب مع عمه المُسنّ، جناب حمزه (ع) الذی کان عمره أکبر بسنتین أو وفق روایهٍ أکبر بأربع سنوات من النبی (ص)، وللعلم أیضاً هو أخو النبی (ص) فی الرضاعه، جلس مع ذلک الأخ وابن العم وتعاهدوا على أمر، وهو بطبیعه الحال «الجهاد حتى الشهاده»، أی سنمضی فی هذا الطریق وفی هذه الحرکه بلا هواده حتى لحظه الشهاده(۶). ثم یقول الإمام (ع): «فَتَقَدَّمَنی أصحابی» هؤلاء الرفاق، [هؤلاء] الثلاثه سبقونی. «وَتَخَلَّفتُ بَعدهُمُ لِمَا أَرادَ الله – عَزَّ وَجلّ – فَأنَزَلَ الله فِینَا: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} (الأحزاب، ۲۳)… حتى آخر الآیه. ثم یقول: «حَمَزهُ وَجَعفَرٌ وعُبَیدَه»، هؤلاء الثلاثه هم مَن {قَضَى نَحْبَهُ}، «وَأَنا وَاللهِ المُنتَظِر»(۷). إذن، هذه مهمه جداً، التمجید بهذه الشخصیات وتعظیمها والتفاخر بها على هذا النحو بلسان أمیر المؤمنین (ع)، إذ یدل على عظمه هذه القضیه وهذه الشخصیه.

إبراز الرسول (ص) شخصیّه حمزه وجعله قدوهً

ویبدو أن الرسول الأکرم (ص) نفسه أراد أن یجعل منه قدوه منذ اللحظه الأولى التی استشهد فیها حین أعطاه لقب «سید الشهداء». وبعد ذلک [عندما] دخلوا المدینه ورأوا نساء الأنصار یبکین ویئننّ ویحزنّ – لأنه قد استشهد فی معرکه أُحُد سبعون شخصاً، أربعه منهم من المهاجرین و۶۶ من الأنصار – استمع الرسول (ص) حیناً، ثم قال: حمزهٌ لا بواکی له! وصل هذا الخبر إلى نساء المدینه، وقالت کلّ واحده إننا سنبکی على حمزه (ع) قبل أن نبکی على شهیدنا(۸). لقد حثّهن الرسول (ص)، أی جعل کل المدینه [تبکی علیه]. أحدث النبی (ص) ضجّه فی أنحاء المدینه کافه من أجل حمزه (ع). ماذا یعنی هذا؟ هذا [یعنی] أن النبی (ص) یرید إبراز حمزه (ع). إنه سیّد الشهداء (ع) وهو الشخص الذی یجب أن یبکیه الجمیع. هذه هی صناعه الأنموذج، لیس لذلک الیوم فقط، وإنما إلى الأبد ولجمیع المسلمین. لذلک، لا یتعلق عملکم بداخل البلاد وإیران [فقط]. إنکم تفعلون شیئاً إذا أنجزتموه جیّداً، إن شاء الله – أتمنى أن تنجزوا عملکم جیّداً -، فسیکون ذلک خدمه لجمیع البلدان الإسلامیه والدول العربیه ‌والدول التی تتحدّث بلغات أخرى، حیث یجب أن یستفید الجمیع منه، وسیستفیدون. ربما یأخذ فنانونهم زمام المبادره وینتجون أعمالاً عظیمه.

العزم الرّاسخ وقدره المعرفه عنصران مهمّان فی شخصیّه حمزه

حسناً، الآن ما یتعین علینا فعله هو تحدید العناصر المکوّنه لشخصیه حمزه (ع)، أی أحد الأعمال العظیمه هو [أن نعرف] ما الذی حدث حتى صارت هذه الشخصیه عظیمهً إلى هذا الحد، وما خصائصها. أعتقد أن هذا أحد الأعمال. حینذاک تصیر [الخصائص] أنموذجاً لنا لنستفید منها، نحن والآخرین. فی رأیی اثنان من هذه العناصر المهمه التی تشکّل شخصیته هما أولاً «العزم الراسخ» وثانیاً «قدره المعرفه» التی علینا ترویجها قدر الإمکان. العزم الراسخ! أحیاناً یکون الإنسان على علم بشیء ما، أو یقبل شیئاً ما أیضاً، فیؤمن به لکنه لا یتصرف وفقاً لذلک بسبب ضعف النفس. الإراده القویه والعزم الراسخ هنا عنصر مُحدد أنَّ هذا الشخصَ [یتصرف] بعزم راسخ.

ذاک الیوم الذی اعتنق حمزه (ع) فیه الإسلام – أسلم حمزه فی السنه الثامنه للبعثه، وهذا موثّق فی مصادر معروفه، أی أسد الغابه(۹)، وآخرون قالوا السنه الثامنه – کان من أصعب أوقات النبی (ص)، لأن الإسلام قد صار علنیاً، فکانوا یهاجمون النبی (ص) من کل حدب وصوب، ویهاجمون أصحاب النبی (ص). بالطبع، کان حمزه (ع) یدافع بجدیه عن الرسول (ص) قبل إسلامه، وکان یدافع عنه منذ البدایه. على سبیل المثال، عندما واجه أبو طالب (ع) مشکلات وآمن أمیر المؤمنین (ع) بالنبی، أحضر [حمزه] جعفر (ع) إلى منزله منذ طفولته(۱۰)، أی هناک أشیاء من هذا القبیل فی حیاه حمزه (ع) قبل الإسلام. تلک المصاعب التی سمعناها تعود إلى هذه السنوات، وفی مثل هذه الظروف حیث یعیش المسلمون فی ضائقه شدیده، یصرخ هذا الشخص فی المسجد الحرام بجوار الکعبه: لقد أسلمت، ولیعلم الجمیع أننی مؤمنٌ بدینه!

واجباتنا تجاه أخذ الأنموذج من المعاییر المُبیَّنه

حسناً هذه [الأمور] تدل على تلک الشجاعه وذاک العزم الراسخ والتشخیص الصحیح، وهذا التشخیص الصحیح مهم جدّاً. فلنعلّم أنفسنا وشعبنا التفکیر فی القضایا بأسلوب صحیح، والتشخیص بطریقه صحیحه. {وَقَالُوا لَوْ کُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا کُنَّا فِی أَصْحَابِ السَّعِیرِ (۱۰) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِیرِ (۱۱)} (الملک). إذا لم نسمع ولم نفکّر ولم نتأمّل، فهذا ذنب. یذکر القرآن ذلک بصراحه. حسناً، إن هذا العظیم وبناءً على کلام أمیر المؤمنین (ع) هو مصداق: {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ} (الأحزاب، ۲۳) کما ینقل الإمام الباقر (ع). إذن، کیف تکون {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ}؟ إن شکلها الکامل والتام هو أن یصنع الإنسان من نفسه مصداقاً للمعارف الإلهیّه والأوامر الإلهیّه والطریق الذی حدّده الله المتعالی ووضعه أمامنا، أی یجعل من نفسه مصداقاً لذلک. لنتعلم هذا، إن شاء الله.

بذل الخواصَ الهمّهَ لتربیه الشّخصیات کمصادیق للمعارف الإلهیّه

وإذا بذل خواص المجتمع الهمّه لإنتاج مثل هذه الشخصیات، فسیکون کل واحد منهم قادراً على إنقاذ المجتمع فی المواقف الحسّاسه. [الأمر] کذلک حقّاً. لا أن نکتفی بتربیه بعض الأشخاص، وأن نعظهم، أو مثل هذه الأعمال، أی أن یقبلوا أمراً ما کیفما کان. کلا! فلیکن سعی المؤسسات هو أن نصنع شخصیات تکون بحد ذاتها مصداقاً للمعارف الإلهیه والمعارف الإسلامیّه والأحکام الإسلامیّه. بحمد الله، یمکن لجامعه المصطفى أن تکون مرکزاً فعالاً فی هذه المجالات. فی قم، یمکن للمراکز التی أنشأتها حدیثاً الإداره الکفوءه للحوزه أن تمهّد إلى مثل هذه الأمور، وبعض مؤسسات التبلیغ [الدینی] أیضاً تعمل جیّداً فی هذا المجال. إذا تم إیجاد مثل هذه الشخصیات، فسیکون بناء الحضاره الإسلامیه أمراً قطعیاً، أی لن یکون موضع شکّ أبداً.

جزاکم الله خیراً، وأسأله أن یوفقکم لتنجزوا هذا العمل والأعمال اللاحقه على أحسن وجه، إن شاء الله. من ناحیتی، أتوجّه إلیکم بالشکر جمیعاً، السادهَ الذین یعملون فی هذا العمل.

والسلام علیکم ورحمه الله وبرکاته.